السلام عليكم... هذا المقال يتحدث عن الأسطورة داني ألفيش وقد نشره موقع الجزيرة وهو مقال طويل ولذلك سيكون على عدة أجزاء وهذا هو الجزء الثاني من المقال، وأتمنى أن ينال المقال رضاكم إن شاء الله.أنصاف المساحات

يمكن تصنيف ما سبق بأنه نصف الصورة فقط، من المستحيل أن تكون الصورة مكتملة من دون التعرُّض لأنصاف المساحات أو ما يُعرف بـ "Half spaces"، وهي المساحات "الأخطر" في كرة القدم الحالية التي وصفها بيب غوارديولا بأنها "مساحات غير قابلة للحماية"، حيث يقضي مانشستر سيتي 45% من أوقات الحيازة هذا الموسم في محاولة اختراق تلك المساحات، وما يجعلها كذلك هو ما وصلت إليه اللعبة من تطور تكتيكي في السنوات الأخيرة جعل من حماية العمق الأولوية الدفاعية القصوى لفِرَق الكرة الحديثة، والسبب الآخر هو خصائصها المكانية التي تُعظِّم مفهوم "القُطْرية" في اللعبة.

دعنا نَعُد إلى بداية القصة.
قد يبدو الأمر مُملا، لكن من الصعب الحديث عن أنصاف المساحات من دون التحدُّث عن اللعب التمركزي، ذلك المفهوم الذي يرتبط دائما ببيب غوارديولا، وخوانما ليو، ويوهان كرويف، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن لويس فان خال يجب أن يكون حاضرا بقوة في تلك المناقشة، رغم اختلافه الجذري مع يوهان كرويف في رؤيته للعبة، وفي إيمان كلٍّ منهما بالطريقة المُثلى لبناء الفِرَق الرياضية.
لحُسن الحظ، كان ذلك الخلاف مهما في تطور اللعبة، لأنه أضاف إليها الكثير وخاصة إلى "اللعب التمركزي"، إذ كانت إضافات فان خال ربما أكثر قيمة مما أتى به كرويف، على الأقل وفقا لخوانما ليو.
كان جوهر مساهمات يوهان ومن قبله رينوس ميتشيلز في اللا مركزية التي أخذت فيما بعد مصطلح "الكرة الشاملة" (Total football)، التي تُركِّز في جوهرها على "وظيفة" اللاعب بغض النظر عن "مركزه"، حيث إن المهاجم هو أول المدافعين، والمدافع هو المهاجم الأول لفريقه، كان الاختلاف أن كرويف آمن بـ "الأفراد"، إذ كان يعطي الكثير من الحرية للاعبيه، وذلك لإيمانه بالموهبة، التي ترتقي إلى مستوى آخر بالانسجام مع المواهب الأخرى.
يرى كرويف أن ذلك الانسجام بين اللاعبين هو ما يجعل الفريق غير قابل للتوقُّع، حيث تتعاظم "الموهبة الجماعية" داخل مبادئ اللعب وتُنتج فريقا غير قابل للإيقاف، ببساطة لأنه غير قابل للتوقُّع ابتداء.

على الجهة المقابلة، رفض فان خال "الفردية"، لأن ذلك يعني انتقال زمام التحكم في الملعب إلى اللاعبين، وذلك من شأنه أن يحد من قدرته على إدارة المباريات، أراد فان خال "هيكلا تكتيكيا مُحكَما" قائما على مجموعة محددة من المهام.
ولكي تُنفذ المهام يجب أن يسود التنظيم، والبداية كانت بتنظيم مساحات اللعب ابتداء، حيث كان التقسيم الرأسي السائد للملعب يحتوى على 3 قنوات؛ قناة مركزية بالمنتصف، وقناتين على كل طرف، وهو ما غيَّره فان خال، حينما أعاد تنظيم فِرَقه داخل المستطيل الأخضر على 5 قنوات؛ قناة مركزية، وقناتين على الأطراف، وبينهما قناتان وهما "أنصاف المساحات"، الصيحة التي اجتاحت كل ملاعب أوروبا فيما بعد واستغلَّها بيب غوارديولا ويورغن كلوب كما لم يستغلها أحد من قبل.
ما يجعل تلك المساحة خطيرة في حد ذاتها، وهدفا يسعى كل المدربين إلى السيطرة عليه، هي خصائصها الجوهرية في أنها تجمع بين مزايا العمق المغلق عادة من الخصوم، ومزايا الأطراف في إمكانية لعب التمريرات القُطْرية ولكن من أماكن أقرب إلى المرمى، وهو ما يدفع المدربين إلى وضع أفضل لاعبيهم في تلك المساحة، حيث تزيد فرصهم في حسم المباريات كلما كانوا أقرب إلى المرمى بطبيعة الحال، وذلك هو النصف الآخر من الصورة فيما يتعلَّق بأسباب وضع الأظهرة للداخل، بل وبناء الهيكل التكتيكي كاملا على خدمة وتسهيل ذلك، كما هو الحال مع أرنولد رفقة ليفربول أو كانسيلو مع السيتي، الظهيرين اللذين يملكان من الجودة والخصائص ما يجعل من تقريبهما إلى مرمى الخصوم أمرا حتميا، لقدرتهما الفذة على صناعة الفارق.

الآن تتساءل؛ ما علاقة داني ألفيش بذلك؟
في الحقيقة، وجب الإقرار أن داني ألفيش هو مَن بدأ ذلك كله، إذ سمح له فهمه العميق للعبة وإمكاناته العريضة في الخروج من قالب "الظهير" التقليدي ولعب الكرة بالشمولية التي أرادها كرويف، بادئا صيحة الأظهرة المتطرفة هجوميا في الكرة الحديثة، فكان رابع مهاجمي بارسا بيب في رسم 4-3-3، وساعد غوارديولا فيما بعد بتحريك ميسي إلى الداخل في "نصف المساحة اليُمنى" على أن يشغل البرازيلي المساحة على الطرف، وبذلك استطاع المدرب الشاب تحقيق الاستفادة القصوى من أفضل لاعبيه حينما جعلهم أقرب إلى مرمى المنافسين، وتكفَّل تفاهمهم بمرور الوقت بصنع فريق غير قابل للإيقاف.
نهاية الجزء الثاني وإلى الملتقى مع الجزء الثالث والأخير، على أمل أن يتم التفاعل مع المقال، من خلال تعليقاتكم وملاحظاتكم القيمة، ولكم مني أطيب تحية قلبية.